المؤسسات مداميك الوطن، وبيوت الأوفياء، وغير هذا، لا يستحقها مسؤول او يدخلها موظف وعامل.
و«الرأي» واحدة من هذه الصروح العظيمة، تناوبت عليها قيادات واستظل تحت سقفها الشامخ عاملون كثر، وهناك من تطوّع بكتاباته، ومنهم من كانت الصحيفة لهم فنجان الصباح، إن تأخروا لظرف ما في مطالعتها، واصلوا ليلهم معها قبل أن يأووا الى فراشهم.
قيل «من لم يمت في الرأي» فهو على قيد الحياة، في إشارة إلى أن المتوفى عندما لا يكون له نعي في صفحاتها، فإنه لا علم للناس بمن رحل.
وعندما يتواصل الحديث عن «الرأي»، فإن السؤال الذي يطغى على هذا وذاك الكلام: ما الذي حدث في هذه الصحيفة الأولى، ولماذا؟
هو السؤال ذاته، الذي يطرحه الغيورون على وطنهم: ما الذي حدث ويحدث في الاردن، ولماذا؟
السؤالان عندي واحد، اما الوطن: فله أهله ورجاله، من بينهم شهداء ذادوا بأرواحهم الطاهرة ليعيش الآخرون بعزة وكرامة، وهناك من يدافع عن حياضه بالكلمة ولم ترتخ اصابعه رغم مغريات الاعطيات، مثلما ظل أشخاص على اخلاصهم حتى وهم يغادرون مسؤولياتهم ووظائفهم.
هذه هي «الوطنية» التي تدعو الجميع للصبر على جمرها، والوقوف في «خندق الدفاع» لا الجلوس في «فندق المتاع».
وأما «الرأي» وبحكم التجربة الطويلة فيها: فقد مرت بمراحل ازدهار، ظلت خلالها وبشعارها القومي «صحيفة الدولة»، وفي «حبلها السرّي» كانت سند الحكومة في النقد والنصيحة تجاه القضايا التي تخدم المواطن والوطن.
جاءت وذهبت قيادات وادارات، وجاء وذهب عاملون وكتّاب، ما جعل «الرأي» تسير فوق حبل مشدود، ورغم الجهود الكبيرة لتواصل «الرأي» مسيرتها، الا ان تدخلات بعض الحكومات أعاقت «الأنطلاق الصاروخي» للصحيفة، ودفعت عامليها في مراحل لاحقة، للخروج الى الشارع في اعتصام دام 38 يوماً، مثلما دفعتهم الى حجب صحيفتهم عن الصدور ليوم واحد، قبل ان يتدخل الملك ويوّجه لحل مطالبهم.
ومن منطلق امانة المهنة، اقول، ان هناك من كان في موقع المسؤولية الحقة والمهنية العالية والشخصية القيادية التي حافظت على اسم ومكانة «الرأي» رغم كل الظروف التي عصفت بها، منذ عهد مؤسسيها الذين دافعوا بشراسة عنها، والى ان اصبحت شركة مساهمة، وصولاً الى هذه المرحلة.
هناك من يقول ان الصحيفة، أي صحيفة، هي «رئيس التحرير»، ولا أشك في ذلك، ولكن على اهمية ومهنية وشخصية وادارة من يشغل هذا الموقع، الا ان العمل المؤسسي ووقوف كل فرد على ثغرة من ثغر صحيفته، اساس النجاح والاستقرار.
وبعد هذه السنين من تعب «الرأي» وغضبها على كل جهة اعاقت تقدمها، وعتبها على كل من خذلها، فإنني اقف اليوم على عتبتها بكلمات تنازعني الى رائحتها العتيقة، ليس بتسلم الزميل راكان السعايدة رئاسة التحرير، ونثر كلماته على وجهها الجميل، وحفر اسمه على صدر صفحة من صفحاتها، وانما بتكاتف الجميع وتحلّي الزملاء بروح المسؤولية، بدءاً بالحارس وانتهاء برئاسة مجلس الادارة.
ارجو الا اكون ذهبت بعيداُ، والله من وراء القصد.